(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩))
ثمّ أخبر سبحانه عن حالهم بعد إهلاكهم ، فقال : (كَمْ تَرَكُوا) كثيرا تركوا (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) محافل مزيّنة ومنازل حسنة. وعن ابن عبّاس : منابر الخطباء. (وَنَعْمَةٍ) أي : تنعّم (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) متنعّمين كما يتنعّم الآكل بأنواع الفواكه.
(كَذلِكَ) مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها. أو الأمر كذلك. (وَأَوْرَثْناها) عطف على الفعل المقدّر ، أو على «تركوا». وإيراث النعمة تصييرها إلى الثاني بعد الأول بغير مشقّة ، كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة. فلمّا كانت نعمة قوم فرعون وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم ، كان ذلك إيراثا من الله لهم. (قَوْماً آخَرِينَ) لبسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء. وهم بنو إسرائيل ، كانوا متسخّرين مستعبدين في أيديهم ، فأهلكهم الله على أيديهم ، وأورثهم ملكهم وديارهم. وقيل : غيرهم ، لأنّهم لم يعودوا إلى مصر.
(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) مجاز عن عدم المبالاة بهلاكهم ، وعدم الاعتداد بوجودهم ، كما قالت العرب على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة في وجوب البكاء والجزع على موت رجل خطير وتعظيم مهلكه : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح وأظلمت له الشمس ، في نقيض ذلك. ومنه ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه ، إلّا بكت عليه