عاجلني الله بعقوبة الافتراء ، فلا تقدرون على دفع شيء منها ، فكيف أجترئ عليه ، وأعرض نفسي للعقاب ، من غير توقّع نفع ولا دفع ضرّ من قبلكم؟! (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) تندفعون فيه من القدح في آياته ، بتسميتها سحرا تارة وافتراء اخرى (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يشهد لي بالصدق والبلاغ ، وعليكم بالكذب والإنكار. وهو وعيد بجزاء إفاضتهم. (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن ، وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرأتهم.
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩))
روي : أنّهم كانوا يقترحون عليه الآيات ، ويسألونه عمّا لم يوح به إليه من الغيوب ، فنزلت :
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) البدع بمعنى البديع ، كالخفّ بمعنى الخفيف. والمعنى : ما كنت بديعا ـ أي : لست بأوّل رسول بعث ـ فآتيكم بكلّ ما تقترحونه ، وأخبركم بكلّ ما تسألون عنه من المغيّبات ، فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلّا بما آتاهم الله من آياته ، ولا يخبرون إلّا بما أوحى إليهم ، ولم يقدروا على المقترحات إلّا بمشيئة الله ، فكيف أقدر على مقترحاتكم؟!
(وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا. فلا أدري أَأموت أم أقتل؟ ولا أدري أيّها المكذّبون أَترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم؟ أو غير ذلك من أنواع العقاب على الأمم المكذّبة في الدنيا ، إذ لا علم لي بالغيب. وأمّا في الآخرة ؛ فإنّه قد علم أنّه في الجنّة ، وأنّ من كذّبه في النار. وهذا الوجه منقول عن الحسن والسدّي.