كمثل من هو خالد؟ أو أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد؟ وحذف ما حذف استغناء بجري مثله.
وفي تعريته من حرف الإنكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوّي بين المتمسّك بالبيّنة والتابع لهواه ، وأنّه بمنزلة من يسوّي بين الجنّة الّتي تجري فيها تلك الأنهار ، وبين النار الّتي يسقى أهلها الحميم. ونظيره : قول القائل :
أفرح أن أرزأ الكرام وأن |
|
أورث ذودا (١) شصائصا نبلا |
فإنّه كلام منكر للفرح برزيّة الكرام ووراثة الذود ، مع تعرّيه عن حرف الإنكار ، لانطوائه تحت قول من قال : أَتفرح بموت أخيك وبوارثة إبله؟ والّذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصوّر قبح ما اتّهم به. فكأنّه قال : نعم ، مثلي يفرح بمرزأة الكرام ، وبأن يستبدل منهم ذودا يقلّ طائله. وهو من التسليم الّذي تحته كلّ إنكار.
وعلى الأوّل قوله : «كمن هو خالد» خبر محذوف ، تقديره : أَفمن هو خالد في هذه الجنّة كمن هو خالد في النار؟ أو بدل من قوله : (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ). وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بيّنة في الآخرة ، تقريرا لإنكار المساواة.
(فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) استئناف لشرح المثل ، كأنّ قائلا قال : وما مثلها؟ فقيل : فيها أنهار. ويجوز أن يكون في موضع الحال ، أي : مستقرّة فيها أنهار.
أو خبر لـ «مثل». و «آسن» من : أسن الماء بالفتح إذا تغيّر طعمه وريحه ، أو بالكسر على معنى الحدوث. وقرأ ابن كثير : أسن بغير مدّ.
__________________
(١) الذّود : الإبل لا يتجاوز عددها الثلاثين ولا يقلّ عن الثلاث. والشصائص جمع الشصوص : الناقة أو الشاة القليلة اللبن. والنبل : الكبار من الإبل ، والصغار منها ، فهو من الأضداد.