(٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
ثمّ حضّ سبحانه على طلب الآخرة بقوله : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لا ثبات لها (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بالله (وَتَتَّقُوا) معاصيه (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) ثواب إيمانكم وتقواكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) جميع أموالكم ، بل يقتصر على جزء يسير ـ كربع العشر والعشر ـ في الزكاة الواجبة في بعض أموالكم.
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ) فيجهدكم بطلب الكلّ. والإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية. يقال : إحفاء في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح. وأحفى شاربه إذا استأصله. (تَبْخَلُوا) فلا تعطوا (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) ويظهر بغضكم وعداوتكم ، فتضطغنوا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والضمير في «يخرج» لله تعالى ، أو البخل ، لأنّه سبب الاضطغان.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أي : أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون. ثمّ استأنف وصفهم. كأنّهم قالوا : وما وصفنا؟ فقيل : (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ويجوز أن يكون صلة لـ «هؤلاء» ، على أنّه بمعنى : الّذين. وهو يعمّ نفقة الغزو والزكاة وغيرهما. (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) ناس يبخلون به. ثمّ قال : (وَمَنْ يَبْخَلْ) بالصدقة وأداء الفريضة (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) فلا يتعدّاه ضرر بخله ، بل إنّما هو راجع إلى نفسه ، لأنّه يحرّمها مثوبة جسيمة ، ويلزمها عقوبة عظيمة. يقال : بخلت عليه وعنه.
وكذلك : ضننت عليه وعنه. وفيه إشارة إلى أنّ معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخذ.