وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى قبل خروجه إلى الحديبية ، كأنّه وأصحابه قد دخلوا مكّة آمنين وقد حلقوا وقصّروا ، فقصّ الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا واستبشروا ، وحسبوا أنّهم داخلوها في عامهم. وقالوا : إنّ رؤيا رسول الله حقّ. فلمّا تأخّر ذلك قال عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحارث : والله ما حلقنا ، ولا قصّرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام. فنزلت :
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) أي : صدّقه في رؤياه ، ولم يكذّبه. فحذف الجارّ وأوصل الفعل ، كقوله تعالى : (ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (١) (بِالْحَقِ) ملتبسا به ، فإنّ ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدّر ، وهو العام القابل. وهو إمّا متعلّق بـ «صدق» أي : صدّقه فيما رأى ، وفي كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحقّ ، أي : بالغرض الصحيح والحكمة البالغة. وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمنين المخلصين ، وبين من في قلبه مرض نفاق.
ويجوز أن يتعلّق بالرؤيا حالا منها ، أي : صدّقه الرؤيا ملتبسة بالحقّ ، على معنى أنّها لم تكن من أضغاث الأحلام.
ويجوز أن يكون «بالحقّ» قسما. إمّا بالحقّ الّذي هو نقيض الباطل. أو بالحقّ الّذي هو من أسمائه تعالى.
__________________
(١) الأحزاب : ٢٣.