منصوبا على المصدر من غير فعله ، فيوضع موضع : رشدا ، لأنّ رشدهم فضل من الله ، لكونهم موفّقين فيه. والفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام.
(وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل والتمايز (حَكِيمٌ) حين يفضل وينعم بالتوفيق عليهم.
وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر ، لأنّه إذا حبّب في قلوبهم الإيمان وكرّه الكفر ، فمن المعلوم أنّه لا يحبّب ما لا يحبّه ولا يكرّه ما لا يكرهه. ولأنّه إذ ألطف في تحبيب الإيمان بألطافه دلّ ذلك على ما نقوله.
روي عن ابن عبّاس أنّه قال : وقف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار ، فبال الحمار ، فأمسك عبد الله بن أبيّ بأنفه وقال : خلّ سبيل حمارك فقد آذانا نتنه (١). فقال عبد الله بن رواحة الخزرجي : والله إنّ بول حماره لأطيب من مسكك. وبرواية اخرى : حماره أفضل منك ، وبول حماره أطيب من مسكك. ومضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وطال الخوض بينهما حتّى استبّا وتجالدا ، وجاء قوماهما ـ وهما : الأوس والخزرج ـ فتجالدوا بالعصيّ ، وقيل : بالأيدي والنعال والسّعف. فرجع إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأصلح بينهم. ونزلت :
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠))
__________________
(١) النتن : خبث الرائحة.