عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))
واعلم أنّه سبحانه لمّا ختم سورة الحجرات بذكر الإيمان وشرائطه للعبيد ، افتتح هذه السورة بذكر ما يجب الإيمان به ، من القرآن المجيد وأدلّة التوحيد ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الكلام فيه وفي تركيبه كما مرّ في (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ). وعن ابن عبّاس : أنّه اسم من أسماء الله تعالى. وعن الضحّاك : هو اسم الجبل المحيط بالأرض ، من زمرّدة خضراء ، خضرة السماء منها. وقيل : معناه : قضي الأمر ، أو قضي ما هو كائن. والمجيد : ذو المجد والشرف على سائر الكتب. وقيل : وصف به ، لأنّه كلام المجيد ، فجاز اتّصافه بصفته. أو لأنّ من علم معانيه وامتثل أحكامه مجد عند الله وعند الناس.
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) إنكار لتعجّبهم ممّا ليس بعجب. وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم ، قد عرفوا وساطته فيهم وعدالته وأمانته. ومن كان بصفته لم يكن إلّا ناصحا لقومه ، مترفرفا عليهم ، خائفا أن ينالهم سوء ، ويحلّ بهم مكروه.
وإذا علم أنّ مخوفا أظلّهم لزمه أن ينذرهم ويحذّرهم ، فكيف بما هو غاية المخاوف ونهاية المحاذير؟! ثمّ حكى عن تعجّبهم بقوله : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا) أي : اختيار الله محمدا للرسالة (شَيْءٌ عَجِيبٌ) وإضمار ذكرهم ثمّ إظهاره للإشعار بتعنّتهم بهذا المقال ، ثمّ التسجيل على كفرهم بذلك. ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى إنكار تعجّبهم ممّا