(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) غمرته وشدّته الذاهبة بالعقل. والباء للتعدية ، كقولك : جاء زيد بعمرو. والمعنى : وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الموعود الّذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله. أو حقيقة الأمر وجليّة الحال ، من سعادة المرء وشقاوته. أو الحقّ الّذي خلق له الإنسان من أنّ كلّ نفس ذائقة الموت.
أو الجزاء ، فإنّ الإنسان خلق له. أو مثل الباء في (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (١) ، أي : وجاءت ملتبسة بحقيقة الأمر. أو بالحكمة والغرض الصحيح ، كقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) (٢).
(ذلِكَ) أي : الموت (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) تميل وتنفر عنه. والخطاب للإنسان في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (٣) على طريق الالتفات. أو الإشارة إلى الحقّ ، والخطاب للفاجر.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢))
ثمّ أخبر سبحانه عن حال الناس بعد البعث ، فقال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) يعني : نفخة البعث (ذلِكَ) إشارة إلى مصدر «نفخ» بحذف المضاف ، أي : وقت ذلك النفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) يوم تحقّق الوعيد ووقوع المجازاة.
__________________
(١) المؤمنون : ٢٠.
(٢) الأنعام : ٧٣.
(٣) ق : ١٦.