تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))
ثمّ خوّف سبحانه كفّار مكّة فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) قبل قومك (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) قوّة ، كعاد وفرعون (فَنَقَّبُوا) فخرقوا (١) (فِي الْبِلادِ) وتصرّفوا فيها. والفاء للتسبيب ، أي : شدّة بطشهم أبطرتهم وأقدرتهم على التنقيب.
وقيل : معناه : جالوا في الأرض كلّ مجال حذر الموت. (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي : هل لهم من الله أو من الموت مهرب حتّى يتوقّعوا مثله لأنفسهم؟
وقيل : الضمير لأهل مكّة. ومعناه : فنقّب أهل مكّة في أسفارهم ومسايرهم في البلاد والقرى ، وحين نزول آجالهم أو عقوباتهم ، فهل رأوا لهم مهربا منها؟
والدليل على صحّته قراءة من قرأ : فنقّبوا على الأمر ، كقوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) (٢). وعلى الثاني والثالث ؛ الفاء للتعقيب.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكر في هذه السورة (لَذِكْرى) لتذكرة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي : قلب واع يتفكّر في حقائقه ، لأنّ من لا يعي قلبه فكأنّه لا قلب له (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي : أصغى لاستماعه (وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر بذهنه ليفهم معانيه ، لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنّه غائب. أو شاهد يصدّقه بأنّه وحي ، فيتّعظ بظواهره ، وينزجر بزواجره. وفي تنكير القلب وإبهامه تفخيم وإشعار بأنّ كلّ قلب لا يتفكّر ولا يتدبّر كلا قلب.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مرّ تفسيره (٣) مرارا
__________________
(١) خرق الأرض : جابها وقطعها حتّى بلغ أقصاها.
(٢) التوبة : ٢.
(٣) راجع تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف ، يونس : ٣ ، هود : ٧ ، الفرقان : ٥٩ ، السجدة : ٤.