(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠))
ثمّ خاطب نبيّه ، فقال : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) عن دعوة من رأيته معرضا عن ذكرنا ، ولم يقرّ بتوحيدنا (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) ولم يتأمّل في الآخرة أصلا ، لانهماكه في متاع الدنيا وزينتها ، فإنّ من غفل عن الله ، وأعرض عن ذكره ، وانهمك في الدنيا ، بحيث كانت منتهى همّته ومبلغ علمه ، لا تزيده الدعوة إلّا عنادا وإصرارا على الباطل.
(ذلِكَ) أي : أمر الدنيا ، أو كونها شهيّة (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) لا يتجاوزه علمهم. وهذا مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل ، لأنّه من طباع البهائم أن يأكل في الحال ولا ينتظر العواقب. وفي الدعاء : اللهمّ لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبلغ علمنا.
والجملة اعتراض مقرّر لقصور هممهم بالدنيا. وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) تعليل للأمر بالإعراض ، أي : إنّما يعلم الله من يجيب ممّن لا يجيب ، وأنت لا تعلم ، فلا تتعب نفسك في دعوتهم ، إذ ما عليك إلّا البلاغ وقد بلّغت ، وهو أعلم بالضالّ والمهتدي ، وهو مجازيهما ما يستحقّان من الجزاء.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ