اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))
ثمّ خاطب المكلّفين ، فقال : (آمِنُوا بِاللهِ) بوحدانيّته وإخلاص العبادة له (وَرَسُولِهِ) وصدّقوا بنبوّته (وَأَنْفِقُوا) في طاعة الله والوجوه الّتي أمركم بالإنفاق فيها (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرّف فيها. فهي في الحقيقة له لا لكم ، بسبب خلقه وإنشائه لها. وإنّما موّلكم إيّاها ، وخوّلكم الاستمتاع بها ، وما أنتم فيها إلّا بمنزلة الوكلاء والنوّاب.
أو المعنى : جعلكم مستخلفين ممّن كان قبلكم فيما في أيديكم ، بتوريثه إيّاكم. فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم ، وسينتقل منكم إلى من بعدكم ، فلا تبخلوا به ، وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم.
وفيه حثّ على الإنفاق ، وتهوين له على النفس ، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا) منها في حقوق الله (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) وعد فيه مبالغات : جعل الجملة اسميّة ، وإعادة ذكر الإيمان والإنفاق ، وبناء الحكم على الضمير ، وتنكير الأجر ، ووصفه بالكبر ، أي : لهم ثواب عظيم لا يكتنهه العقل.
ثمّ وبّخهم بترك الإيمان ، وبعده بترك الإنفاق ، فقال : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الجملة الفعليّة حال من معنى الفعل في «لكم» ، كما تقول : مالك قائما؟ بمعنى : ما تصنع قائما؟ أي : وما تصنعون غير مؤمنين به؟ وأيّ شيء يمنعكم من الإيمان به؟ (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) حال من ضمير «لا تؤمنون». فهما حالان متداخلان.
والمعنى : أيّ عذر لكم في ترك الإيمان ، والرسول يدعوكم إليه ، وينبّهكم