أن يقي بها وجهه ، لأنّه أعزّ أعضائه عليه. والّذي يلقى في النّار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه ، فلا يتهيّأ له أن يتّقي النار إلّا بوجهه الّذي كان يتّقي المخاوف بغيره ، وقاية له ومحاماة عليه. وقيل : المراد بالوجه الجملة ، تسمية للشيء بأشرف أجزائه.
(وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) أي : لهم. فوضع الظاهر موضع الضمير تسجيلا عليهم بالظلم ، وإشعارا بالموجب لما يقال لهم ، وهو (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي : قال لهم خزنة النار ، ذوقوا وبال ما كنتم تعملون. والواو للحال ، و «قد» مقدّرة.
(كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨))
ثمّ وعد كفّار قريش بذكر الأمم المكذّبة الماضية ، واستئصالهم بالعذاب العاجل ، وصليهم بالعذاب الآجل ، فقال :
(كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بآيات الله وجحدوا رسله (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) عاجلا (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) من الجهة الّتي لا يخطر ببالهم أنّ الشرّ يأتيهم منها. يعني : بينا هم آمنون رافهون إذ فوجؤا بالعذاب من مأمنهم.
(فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) الذلّ والصغار (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء ، وما أشبه ذلك من نكال الله (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) المعدّ لهم (أَكْبَرُ) لشدّته ودوامه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لو كانوا من أهل العلم والنظر لعلموا ذلك واعتبروا به.