(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ) أي : بيّنّا بيانا بليغ الوضوح (فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يحتاج إليه الناظر في أمر دينه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتدبّرون فيتّعظوا به.
(قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال مؤكّدة من «هذا». والاعتماد فيها على الصفة ، كقولك : جاءني زيد رجلا صالحا وإنسانا عاقلا. ويجوز أن ينتصب على المدح. (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي : لا اختلال فيه بوجه مّا ، بريئا من التناقض والاختلاف قطعا ورأسا.
وفي إيثار «غير ذي عوج» على : غير معوجّ وعلى : «مستقيما» فائدتان : إحداهما : نفي أن يكون فيه عوج قطّ ، كما قال : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) (١). والثانية : ليدلّ على أنّ استقامته من حيث المعنى ، فإنّ لفظ العوج مختصّ بالمعاني دون الأعيان.
وقيل : العوج : الشكّ واللبس ، استشهادا بقوله :
وقد أتاك يقين غير ذي عوج |
|
من الإله وقول غير مكذوب |
(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لكي يتّقوا معاصي الله. وهذا علّة اخرى مرتّبة على الأولى.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩))
ثمّ مثّل حال من يثبت آلهة شتّى ، وما يلزمه من سوء العواقب ، ومن يتّخذ الله وحده إلها ، وما يتبعه من حسن الخواتيم ، فقال :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) بدل من «مثلا» (فِيهِ) صلة قوله : (شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) من التشاكس بمعنى الاختلاف. وهذا مثل المشرك. (وَرَجُلاً سَلَماً) أي : خالصا (لِرَجُلٍ) وهذا مثل الموحّد. وقرأ نافع وابن عامر والكوفيّون : سلما
__________________
(١) الكهف : ١.