(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) لا يستطيع أحد شفاعته إلّا بإذنه. ثمّ قرّر ذلك فقال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنّه مالك الملك كلّه ، لا يملك أحد أن يتكلّم في أمره دون إذنه ورضاه (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، ولا يكون الملك في ذلك اليوم إلّا له ، فله ملك الدنيا والآخرة.
(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥))
ثمّ أخبر سبحانه عن سوء اعتقادهم وشدّة عنادهم ، فقال : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) أي : إذا أفرد الله بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم ، بأن قيل : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له (اشْمَأَزَّتْ) انقبضت ونفرت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني : آلهتهم ، سواء ذكر الله معهم أم لم يذكر (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) لفرط افتتانهم بها ، ونسيانهم حقّ الله إلى هواهم فيها. ولقد بالغ في الأمرين حتّى بلغ الغاية فيهما ، فإنّ الاستبشار أن يمتلئ القلب سرورا حتّى تنبسط بشرة الوجه ، والاشمئزاز أن يمتلئ غمّا وغيظا يظهر الانقباض في أديم الوجه. والعامل في «إذا ذكر» المفاجأة ، تقديره : وقت ذكر الّذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار.
(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦))
ولمّا بيّن أدلّة التوحيد بالطريق المذكور فلم ينظروا فيها ، أمر نبيّه أن يحاكمهم إليه ليفعل بهم ما يستحقّونه ، فقال :