وبهذا يفترق عن التقليد لأنه ان كان معه اعتقاد ثان فان هذا الاعتقاد يمكن زواله لأنه ليس عن علة توجبه بنفسه ، بل انما هو من جهة التبعية للغير ثقة به وايماناً بقوله فيمكن فرض زواله ، فلا تكون مقارنة الاعتقاد الثاني للاول واجبة في نفس الامر.
ولاجل اختلاف سبب الاعتقاد من كونه حاضراً لدى العقل او غائباً يحتاج الى الكسب ... تنقسم القضية اليقينية الى بديهية ، ونظرية كسبية تنتهي لا محالة الى البديهيات ، فالبديهيات ـ اذن ـ هي اصول اليقينيات ، وهي على ستة انواع بحكم الاستقراء : اوليات ومشاهدات وتجربيات ومتواترات وحدسيات وفطريات.
١ ـ الاوليات (١)
وهي قضايا يصدّق بها العقل لذاتها أي بدون سبب خارج عن ذاتها بأن يکون تصور الطرفين مع توجه النفس الى النسبة بينهما (*) کافيا في الحکم والجزم بصدق القضية فکلما وقع للعقل أن يتصور حدود القضية الطرفين على حقيقتها وقع له التصديق بها فورا عندما يکون متوجها لها. وهذا مثل قولنا «الکل أعظم من الجزء» و «النقيضان لا يجتمعان».
وهذه (الاوليات) منها ما هو جلي عند الجميع اذ يکون تصور الحدود حاصلا لهم جميعا کالمثالين المتقدمين ومنها ما هو خفي عند بعض لوقوع الالتباس في تصوّر الحدود ومتي ما زال الالتباس بادر العقل الى الاعتقاد الجازم.
__________________
(١) راجع شرح الشمسية : ص ١٦٧ ، وشرح المنظومة : ص ٨٩ ، والنجاة : ص ٦٤ ، والتحصيل : ص ٩٦.
١ ـ تقدم في الجزء الاول بيان معنى توجه النفس والحاجة اليه. وهذا البحث عن معنى التوجه وأسبابه وضرورته من مختصات هذا الكتاب التي لم يسبق اليها سابق فيما نعلم بهذا التفصيل.