هذه حاجته من أجل التفاهم مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى (*) إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه ، هي أعظم وأشد من حاجته الأولى ، بل لعلها هي السبب الحقيقي لإدخال هذه الأبحاث في المنطق.
ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع ، ثم نذكر وجه حاجة الإنسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد ، فنقول.
(التمهيد) :
أن الأشياء أربعة وجودات (١) : (٢) وجودان حقيقيان (٣) ووجودان
__________________
(*) هذا البحث الى آخره ليس من منهاج دراستنا. ولكنا وضعناه للطلاب الذين يرغبون في التوسع ، حرصا على فائدتهم. هو بحث له قيمته العلمية ، لا سيما في مباحث أصول الفقه.
(١) أي لجميع الأشياء ـ على ما هو مقتضى الجمع المحلى باللام ـ فلا ينافي وجود نوع آخر أو أنواع أخر من الوجود لبعض الأشياء كالصورة الفتوغرافية أو التمثال للأجسام ، وكذا الوجود المثالي للماديات والوجود العقلي للماديات والمثاليات.
(٣) راجع شرح المنظومة : ص ١١ والجوهر النضيد : ص ٢٩ وأساس الاقتباس : ص ٦٢ ، وشرح الإشارات : ص ٢١ ، وتحصيل : ص ٣٨.
(٤) كون الوجود الخارجي وجودا حقيقيا للشئ واضح. وأما الوجود الذهني : فهو وجود حقيقي بالنظر إلى أن الوجود الذهني هي ماهية الشئ تحضر بعينها لدى الذهن ، قال الحكيم السبزواري :
للشئ غير الكون في الأعيان |
|
كون بنفسه لدى الأذهان |
فالوجود الذهني لما كان هو وجود نفس الشئ ، صح أن يقال : إنه وجود حقيقي للشئ.
هذا ، ولكن فيه : أن الموجود في الذهن مغاير للموجود الخارجي وجودا وماهية ، أما وجودا فواضح. وأما ماهية ، فلأن ما في الخارج هي حقيقة الماهية ، وباقي الذهن ليس إلا مفهومها. وبعبارة أخرى : الموجود في الذهن هي الماهية بالحمل الأولي ، وما في الخارج هي الماهية بالحمل الشائع. فالحق أن يقال : إن للأشياء أربعة وجودات : أحدها وجود حقيقي لها ، والباقي وجودات مجازية لها حاكية عنها. نعم ، تفترق هذه الثلاثة في حكايتها ، فالوجود الذهني يحكي الوجود الخارجي بذاته من دون جعل جاعل واعتبار معتبر ، وأما الآخران فهما إنما يحكيانه بالوضع والاعتبار.
فالوجود الذهني وجود الصورة الذهنية حقيقة ـ كما أن الوجود اللفظي والكتبي