نحکم بأنه يجب لکن من تهمه المعرفة وکل من يريد أن يحافظ على العقائد والآراء أية کانت أن يبحث عن صناعة الجدل وقوانينها وأصولها. والمتکفل بذلک هذا الفن الذي عني به متقدموا الفلاسفة من اليونانيين وأهمله المتأخرون في الدورة الاسلامية اهمالا لا مبرر له عدافئة قليلة (١) من أعاظم العلماء کالرئيس ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي إمام المحققين.
ـ ٣ ـ
المقارنه بين الجدل والبرهان
قلنا ان الجدل أسلوب آخر من الاستدلال وهو يأتي بالمرتبة الثانية بعد البرهان فلا بد من بحث المقارنة بينهما وبيان ما يفترقان فيه فنقول :
١ ـ إن البرهان لا يعتمد الا على المقدمات التي هي حق من جهة ما هو حق لتنتج الحق أما (الجدل) فانما يعتمد على المقدمات المسلمة من جهة ما هي مسلمة ولا يشترط فيها أن تکون حقاً وان کانت حقاً واقعاً اذ لا يطلب المجادل الحق بما هو حق کما قلنا بل انما يطلب افحام الخصم وإلزامه بالمقدمات المسلمة سواء أکانت مسلمة عند الجمهور وهي المشهورات العامة والذائعات أم مسلمة عند طائفة خاصة يعترف بها الخصم أم مسلمة عند شخص الخصم خاصة.
٢ ـ إن الجدل لا يقوم الا بشخصين متخاصمين اما البرهان فقد يقام لغرض تعليم الغير وإيصاله الى الحقائق فيقوم بين شخصين کالجدل وقد يقيمه الشخص ليناجي به نفسه ويعلمها لتصل الى الحق.
٣ ـ إنه تقدم في البحث السابق ان البرهان واحد في کل مسألة لا
__________________
(١) وهم الذين ألفوا المنطق لأجل الفلسفة ، راجع ص ٣٥٨.