خرج عن ذلك الأصل قول الثقة ، ومن الواضح انّ إحراز الصغرى ـ أي كون الراوي ثقة أو لا ـ يتوقّف على الرجوع إلى علم الرجال المتكفّل لبيان أحوال الرواة من الوثاقة وغيرها.
ثمّ إنّ من يقول بحجّية قول الثقة يضيف قيداً آخر ، وهو : كون الراوي ضابطاً للحديث ، ناقلاً إيّاه حسب ما سمع من الإمام. ولا يُعرف هذا الوصف إلاّ من خلال المراجعة إلى أحوال الراوي ، ويشهد على ذلك انّ عدم ضابطية بعض الرواة على الرغم من وثاقتهم ، أوجد اضطراباً في الحديث وتعارضاً بين الروايات ، حيث حذفوا بعض الكلم والجمل الدخيلة في فهم الحديث بزعم عدم مدخليّتها ، أو نقلوه بالمعنى من دون رعاية شروط النقل بالمعنى.
إذا كان هناك خبران متعارضان لا يمكن الجمع بينهما عرفاً ، يجب ـ في مقام الترجيح وتقديم أحدهما على الآخر ـ الرجوع إلى صفات الراوي ، فلو كان رواة أحد الخبرين أعدل وافقه وأصدق وأورع ، يؤخذ به ولا يلتفت إلى الآخر ؛ كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة في الحديث المعروف حيث قال الصادق عليهالسلام ـ في جواب السؤال عن اختلاف القضاة في الحكم واستناد اختلافهما إلى الاختلاف في الحديث ـ : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ». (١)
والحديث وإن ورد في صفات القاضي ، غير انّ القضاة في ذلك الوقت كانوا رواة أيضاً ، ولأجل ذلك تعدّى الفقهاء من صفات القاضي إلى صفات الراوي.
__________________
١. الوسائل : ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.