الثاني : كون عامّة رواياته صحيحة.
ونحن ندرس الوجهين واحداً بعد الآخر :
لا شكّ انّ كتاب « الكافي » لمحمد بن يعقوب الكليني ( المتوفّى عام ٣٢٩ هـ ) من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة ، والذي لم يعمل مثله ، حيث صنّف كتابه هذا وهذّبه في عشرين سنة ، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً يحتوي على ما لا يحتوي عليه غيره ، وهو من أضبط الأُصول وأجمعها وأعظمها ولكن على الرغم من ذلك ليست قاطبة رواياته قطعية الصدور على التحقيق.
كيف؟ وانّ المؤلّف نفسه لم يدّع ذلك ، بل يظهر من مقدّمته على الكتاب عدم جزمه بقطعية صدور جميع أحاديثه ، حيث قال :
« فاعلم يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهمالسلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله عليهالسلام : « أعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّوجلّ فخذوه وما خالف كتاب اللّه فردّوه ».
وقوله عليهالسلام : « دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم ».
وقوله عليهالسلام : « خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : « بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » وقد يسّر اللّه ـ وله الحمد ـ تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت ». (١)
وهذا الكلام ظاهر في أنّ محمّد بن يعقوب الكليني لم يكن يعتقد بصدور
__________________
١. الكافي : ١ / ٩.