وروي أن عليا قال بعد مصاب عمار بصفين : (إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ، وتدخل عليه به المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم ، ورحم الله عمارا يوم قتل ، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ، وما يذكر من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم أربعة إلا كان رابعا ، ولا خمسة إلا كان خامسا. وما كان أحد من قدماء أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ، ولا اثنين. فهنيئا لعمار الجنة. ولقد قيل إن عمارا مع الحق ، والحق مع عمار. يدور عمار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمار في النار.
وعن الصقعب بن زهير عن عبد الله بن جنادة أبي رملة أن سفيان بن عوف حدثه بمكة ، والتقيا في الحج. فقال : إني لعند معاوية إذ أتي برأس عمار بن ياسر (١) ، فقال عبد الله بن عمر وبن العاصي : بشر قاتل عمار بالنار. فقال معاوية ، وضرب على صدره : أبطلت ، ففيم نحن إذا؟ فقال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : (تقتل عمارا الفئة الباغية). فقال معاوية : صدقت ، إنك لا تعرف تأويل هذا المنطق ، نحن نبغي قتلة ابن عفان حتى ننقى (٢) بدمه.
وعهد إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن آخر شربة يشربها من الدنيا شربة لبن. فاستسقى يوم صفين. فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح (٣) من لبن. فقال عمار حين شربه : الحمد لله ، الجنة تحت الأسنة. ثم قاتل حتى قتل.
__________________
(١) انظر تفصيل مقتله في الطبري : ٥ / ٣٨
(٢) ننقى : ننظف.
(٣) الضياح : اللبن المزوج بالماء.