بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت أمير المؤمنين فقد قعد به العجز عن مبارزة الشجعان ومنازعة الاقران ، ألم تسمعوا الله يقول : (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا. والله يحب الصابرين)؟
والله ما اقتلعت باب خيبر بقود جسدانية ولا بحركة غذائية ، لكني أيدت بقوة ملكوتية. وأنا من أحمد كالضوء من الضوء. والله لو تظاهرت العرب على قتالي ما باليت ، ولو أمكنتني من رقابها ما بغيت : (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (١). إليك عني يا دنيا ، حبلك عل يغار بك (٢) ، بثثت لي الحبالة (٣) فأنسللت من مخالبك ، ورأيت آثار مصائدك ، فاجتبت العبور في مراحضك. أين القرون التي أقنيتها بزخار فك ، وفي حبائلك أوقعتها ومتالفك. والله لو كنت شخصا مرثياه أو طللا حسينا لأقمت عليك حدود الله في عباد أسلمتهم مإلى التلف ، وأوردتهم موارد الهلكة والاسف. قيهات هيهات. من وطئ رحضك (٤) زلق ، ومن شرب من مائك شرق. والاسالم منك قليل ، وعزيزك وإن عظم حقير ذليل.
فاغربي عني ، فو الله لا ألين لك فتخذعيني ، ولا أنقاد لك فتذليني أتغزيني؟ بأن أنام على القباطي (٥) من اليمن ، وأتمرغ
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / الآية : ١٤٦ (١) سورة الشعراء : ٢٦ / الآية : ٢٢٧.
(٢) مثل يضرب في تخلية الشئ ونقض اليد عنه. الغارب : الكاهل أو بين الظهر والعنق.
(٣) الحيالة : المصيدة.
المستقصى : ٢ / ٥٦
(٤) الرحيض : الثوب المغسول. وثوب رحض : غسل حتى خلق.
(٥) القباطي : ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر ، وهي منسوبة الى القبط على غير قياس. مفردها قبطية.