نفسه ولا إلى غيره ، فيما يستقبله من الأحوال والأهوال ثم ليلتفت إلى الوصية ، فيؤدي بنفسه ما في ذمّته من حقوق الله أو حقوق خلقه ، ولايتوكل على غيره فالمال سيخرج من يده فيرنو إليه متحسّراً ، وشياطين الجن والإنس يوسوسون في صدر الوارثين صادين عن إبراء ذمّته ، وليس له من حيلة فيقول : أرجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت فلا يسمع منه ذلك ولاتنفعه الحسرة والندامة ثم ليوص بثلث ماله لأقاربه ، وللصدقات والخيرات مما يناسب حاله فليس له أكثر من الثلث ثم ليستبري إخوانه المؤمنين ويستحلّ ممّن اغتابه أو أهانه أو اَّذاه إذا كان حاضراً ، ويلتمس إخوانه المؤمنين أن يستحلّوا له ويستبرئوا لذمّته إذا لم يحضر ، ثم يعيّن قيّمه على أولاده الصغار ، ويكل إلى من يأتمنه أمور أطفاله وعياله ، بعد التوكل على جناب قدس الله ، ثم يهيّ كفنه ويطلب أن يكتب عليه بتربة الحسين عليهالسلام مالم تسعه هذه الرسالة من الأذكار والأدعية والآيات الواردة في الكتب المبسوطة هذا إذا كان قد اغفل من قبل فلم يعد الكفن ، فالمؤمن عليه ان يكون كفنه حاضراً لديه دائماً ، كما روي عن الصادق عليهالسلام قال : من كان كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين ، وكان مأجوراً كلّما نظر إليه (١) ، وينبغي أن لايفكّر بعد في عياله وأولاده وأمواله وأن يلتفت إلى جناب قدس الله فيجعله على ذكر منه وليفكر في أنّ الأمور الفانية هذه هي مما لا تنفعه نفعاً ولايغنيه في دنياه وآخرته سوى لطف الله ورحمته فإذا اتكل على الله جرت شؤون أهل بيته في أحسن مجاريها. وليعلم أنه نفسه لو ظلَّ حيا فلا يستطيع أن ينفعهم نفعا ، أو يدفع عنهم ضرراً إِلاّ أن يشاء الله وأن الله الذي خلقهم هو أرأف بهم منه ، وعليه أن يكون راجيا آملاً يرجو رحمة ربّه رجاءا ويأمل في شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة المعصومين عليهالسلام أملاً عظيماً وينتظر قدومهم وليعلم أنهم أجمعين يحضرون عند الموت ويبشرون شيعتهم بالبشائر ، ويوصون ملك الموت بالوصايا.
وقال الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) : يستحب للانسان الوصية وأن لا يخلّ بها إنسان ، فإنّه روي أنّه ينبغي أن لا يبيت الانسان إِلاّ ووصيّته تحت رأسه ، ويتأكد ذلك في حال المرض ويحسّن وصيته ويخلّص نفسه فيما بينه وبين الله تعالى من حقوقه ومظالم العباد. فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال من لم يحسن الوصيّة عند موته كان ذلك نقصا في عقله ومروّته ، قالوا : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله وكيف الوصية؟ قال : إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه قال : اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالارْضِ عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحْمنَ الرَّحِيمَ ، إنِّي أعْهَدُ إلَيْكَ أنِّي أشْهَدُ
_________________
١ ـ زاد المعاد : ٥٣٦.