الأنبياء والملائكة إن تعلق الظّرف بالعلم بخلاف ما لو تعلق بالأحكام لأنّهم عالمون بالأحكام المستنبطة إلاّ أن يعتبر قيد الحيثيّة لأنّ علمهم بالأحكام المستنبطة ليس من حيث كونها مستنبطة وفيه أنّ أخذ الحيثيّة إنّما يثمر في أن العلم بالأحكام المستنبطة يلاحظ فيه جهة الاستنباط أيضا وهذا لا يقتضي أن يكون العلم ناشئا عن الدليل فإنّ قولنا علمت زيدا الفاضل من حيث إنّه فاضل أنّي أحضرته في الذّهن مع ملاحظة الفضل فيه لا أنّ فضله كان سببا لعلمي فافهم وإن أريد مطلق الأدلة خرج علم المقلد بقيد التّفصيلية لأن علمه إنّما هو من دليل إجمالي وهو أن هذا الحكم مما أفتى به المفتي وكلما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي فهذا حكم الله في حقي وأورد عليه أمّا أوّلا فبأنّ علم المجتهد ناشئ من الدّليل الإجمالي بضميمة التفصيلي فإنّه إذا لاحظ الأدلة التّفصيلية وحصل له الظن بالحكم يرتّب القياس هذا ما ظننت أنّه حكم الله وكلما ظننت أنّه حكم الله فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلدي فهذا حكم الله في حقي وحق مقلّدي فإسناد العلم إلى الأدلة التفصيلية لا وجه له وأمّا ثانيا فبأنّ المقلد أيضا له دليل تفصيلي ودليل إجمالي وعلمه حاصل منهما فإنّه يلاحظ فتوى المجتهد في خصوص كلّ واقعة فهذا دليله التفصيلي ويضمّ إليه المقدمات المذكورة وهو الدليل الإجمالي فيحصل له العلم فما الفرق بين المجتهد والمقلّد في ذلك (أقول) الإيراد الثاني وارد ولا مدفع عنه مع عدم جعل المراد الأدلة وأمّا الإيراد الأوّل فقد يجاب عنه بأنّ علة الشيء إذا كان مركبا يجوز استناده إلى مجموع الأجزاء وإلى الجزء الأخير والأدلّة التفصيلية جزء أخير لعلة حصول العلم بالحكم إذ لا بدّ أوّلا من إثبات أن الكتاب حجّة مثلا ثمّ ملاحظته تفصيلا لاستنباط الأحكام منه ونظير هذا قيل في الجواب عما قيل إنّ الدّليل العقلي إن كان عبارة عمّا كان بجميع أجزائه عقليا فما وجه عدهم الاستصحاب من الأدلة العقلية مع أن حجيّته يثبت بالنقل عند القائلين بالظنون الخاصّة وإن كان عبارة عمّا كان بعض أجزائه عقليّا فما وجه عدم جعلهم الكتاب من الأدلة العقلية مع أنّ حجيّته تثبت بحكم العقل وحاصل الجواب أنّ المعتبر هو الجزء الأخير الّذي يتعاقبه الاستنباط وهو في الاستصحاب حكم العقل بالبقاء وفي الكتاب حكم النّقل بوجوب الصّلاة مثلا وفيه أنّ هذا الجواب لا يتمّ إذا كان العلم بالحجيّة متأخّرا عن العلم بالتّفصيل كما إذا اجتهد الكافر بطريقة الإسلام ثم أسلم فالأولى في الجواب أن يقال إن المراد بالأحكام الأحكام الخاصّة من حيث الخصوصية كوجوب الزكاة وحرمة الخمر ونحو ذلك وحجيّة الكتاب لا توجب العلم بالخصوصية بل العلم بالخاص من حيث الخصوصيّة لا يستنبط إلاّ من قوله تعالى (آتُوا الزَّكاةَ) و (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) ونحو ذلك فلا يجوز