مراده فاللّفظ بالنّسبة إلى ثبوت المعنى في نفس المتكلّم الّذي قد يقال إنّه الكلام النفسي دليل لا دال فتأمّل (ومنها) أنّ الكلام النّفسي غير معقول وبيان هذه الدّعوى محتاج إلى بسط المقال فنقول قد ذكر الأشاعرة أنّ من جملة صفاته تعالى المتكلم ويشترط في صدق المشتق على شيء قيام المبدإ بذلك الشيء ومبدإ المتكلّم الكلام فيشترط في صدق المتكلّم عليه تعالى باعتبار إيجاده الصّوت القائم بالهواء لما قلنا من اشتراط قيام المبدإ بالموصوف وإلاّ لجاز إطلاق المتحرك عليه باعتبار إيجاده الحركة في الأفلاك وحينئذ فلا بد أن يكون معنى قائما بذاته تعالى ثم إنّ بعضهم قال إنّه عبارة عن مدلول الألفاظ وهذا لا يدفع المحذور لأنّ مدلول الألفاظ حادث كحدوثها فإنّ مدلول قال الله (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) لا يمكن أن يكون قديما لأنّه إخبار عن الماضي ولذا قال بعضهم إنّ الكلام معنى بسيط قديم قائم بذاته تعالى قابل للشئونات المختلفة من الأمر والنّهي والإخبار وغير ذلك باعتبار المتعلّقات والإضافات وقد يتمسّك لمذهبهم بأنّ الكلام لغة موضوع لمعاني الألفاظ أو للألفاظ المتصوّرة الذّهنية قبل النطق فإنّ النطق متأخّر عن تصوّر الألفاظ والكلام اسم لذلك ولذا قال الشاعر إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فهو لغة اسم للنفسيّ لا للفظي (ثم) إنّهم بنوا على قولهم من اشتراط قيام مبدإ المشتق بموصوفه دعواهم أنّ صفاته تعالى مغايرة مع ذاته فإنّ صدق قيام شيء بشيء يستدعي تحقّق المغايرة بينهما واستدلّ الرّازي على هذا المطلب بوجوه لا بأس بذكرها لتعلّقها بالمقام (منها) القياس بهذا الترتيب ذاته تعالى غير معلوم لنا وصفاته تعالى معلومة لنا وغير المعلوم غير المعلوم فذاته غير صفاته (ومنها) أنّه لو لا المغايرة لكان قولنا الله عالم قادر بمنزلة الذات ذات فلم يكن للنزاع في ثبوت الصفات له تعالى معنى لبداهة كون الذات ذاتا (ومنها) أنّه لو لا المغايرة لكانت الصفات أيضا متّحدة لأنّها عين الذّات وحينئذ فيكون إثبات إحدى الصفات مغنيا عن إثبات البواقي لاتحادها (ومنها) أنّ صفاتها الثبوتيّة موجودات لا سلوب وإضافات والموجودات لا يمتاز أحدها عن الآخر إلاّ بالمغايرة هذا ما ذكروه في المقام ولا بدّ أوّلا من ذكر معنى الصّفة وأقسامها ليظهر ما هو الحق في المقام فنقول من المعلوم أن الصّفة غير الموصوف إذا الصّفة عرض والموصوف معروض لكن المغايرة على قسمين حقيقي وهو أن يكون الصّفة موجودة في الخارج بوجود مشتمل غير وجود الموصوف كالبياض للجسم والكتابة للكاتب ويسمّى الوصف الخارجي واعتباري وهو أن لا يكون لها وجود مستقل في الخارج غير وجود الموصوف بل لها منشأ انتزاع في الخارج وهو إمّا