مشقّة التكليف عليه بالتهجّد ، فإنّ الليل وقت السبات والراحة والهدوء ، فلا بدّ لمن أحياه من مضادّة لطبعه ومجاهدة لنفسه.
وقيل : معناه : رصين ، لرزانة لفظه ومتانة معناه. أو ثقيل على المتأمّل فيه ، لافتقاره إلى مزيد تصفية للسرّ وتجريد للنظر. أو ثقيل في الميزان ، أو على الكفّار والفجّار. أو ثقيل تلقّيه ، لقول عائشة : رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم (١) عنه ، وإنّ جبينه ليرفضّ (٢) عرقا.
وعن ابن عبّاس : كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربّد (٣) له جلده.
وقيل : كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يتغيّر حاله عند نزول الوحي ويعرق ، وإذا كان راكبا يبرك راحلته ولا يستطيع المشي.
وسأل الحرث بن هشام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّ عليّ ، فيفصم عنّي ، وقد وعيت ما قال. وأحيانا يتمثّل الملك رجلا ، فأعي ما يقول.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) إنّ النفس الّتي تنشأ من مضجعها إلى العبادة. من : نشأ من مكانه إذا نهض. أو قيام الليل ، على أنّ الناشئة مصدر من : نشأ إذا قام ونهض ، على فاعلة ، كالعاقبة. ويدلّ عليه ما روي عن عبيد بن عمير قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل أتقولين له : قام ناشئة؟ قالت : لا ، إنّما الناشئة القيام بعد النوم. ففسّرت الناشئة بالقيام عن المضجع ، أو العبادة الّتي تنشأ بالليل ، أي : تحدث. أو ساعات الليل ، لأنّها تحدث واحدة بعد اخرى. أو ساعاتها الأول ، من : نشأت إذا ابتدأت.
وعن عليّ بن الحسين : «أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) هذه ناشئة الليل».
__________________
(١) أي : يقلع عنه.
(٢) ارفضّ العرق : سال وترشّش.
(٣) تربّد اللون : تغيّر.