ولمّا ختم سبحانه سورة هل أتى بذكر القيامة وما أعدّ فيها للظالمين ، افتتح هذه السورة بمثل ذلك ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْمُرْسَلاتِ) أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة أرسلهنّ (عُرْفاً) نصب على العلّة ، أي : للأمر بالمعروف الحسن عقلا وشرعا. أو على الحال ، بمعنى المتتابعة ، من عرف الدابّة والضبع. يقال : جاؤا عرفا واحدا. وهم عليه كعرف الضبع ، إذا تألّبوا عليه ، أي : اجتمعوا عليه. (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) فعصفن في امتثال أمره عصف الرياح في الهبوب.
(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) وبطوائف منهنّ نشرن أجنحتهنّ في الجوّ عند انحطاطهنّ بالوحي. أو نشرن الشرائع في الأرض. أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين من العلم. (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) ففرقن بين الحقّ والباطل.
(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) فألقين إلى الأنبياء ذكر الأحكام الشرعيّة.
أو أقسم بآيات القرآن المرسلة بكلّ معروف إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ، ونشرن آثار الهدى والحكم في المشرق والمغرب ، ففرقن بين الحقّ والباطل ، فألقين ذكر الحقّ فيما بين العالمين.
أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها ، فعصفن ما سوى الحقّ ، ونشرن أثر ذلك الاستكمال في جميع الأعضاء ، ففرقن بين الحقّ بذاته والباطل في نفسه ، فيرون كلّ شيء هالكا إلّا وجهه ، فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلّا ذكر الله.
أو برياح عذاب أرسلن متتابعة فعصفن ، ورياح رحمة نشرن السحاب في الجوّ ففرقن بينه ، كقوله : (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) (١). أو بسحائب أو أمطارها نشرن الموات ، ففرقن بين من يشكر لله وبين من يكفر ، كقوله :
__________________
(١) الروم : ٤٨.