وأبنية وأشجار وغير ذلك ، فلم يبق عليها شيء حتّى صارت هباء منبثّا.
(وَجاءَ رَبُّكَ) أي : ظهرت آيات قدرته ، وآثار قهره وهيبته. فمثّل ذلك بحال السلطان إذا حضر بنفسه ، ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور وزرائه وخواصّه وجميع عساكره. وقيل : جاء أمر ربّك وقضاؤه ومحاسبته. وقيل : معناه : وزالت الشبهة وارتفع الشكّ ، كما يرتفع عند مجيء الشيء الّذي كان يشكّ فيه. وليس المعنى على ظاهره ، لقيام البراهين القاهرة والدلائل الباهرة على أنّه سبحانه ليس بجسم ، فجلّ وتقدّس عن المجيء والذهاب.
(وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) بحسب منازلهم ومراتبهم. يعني : تنزل ملائكة كلّ سماء ، فيصطفّون صفّا بعد صفّ محدقين بالجنّ والإنس.
وقال الضحّاك : أهل كلّ سماء إذا زلزلوا يوم القيامة كانوا صفّا محيطين بالأرض وبمن فيها ، فيكونون سبع صفوف.
وقيل : معناه : مصطفّين كصفوف الناس في الصلاة ، يأتي الصفّ الأوّل ، ثمّ الصفّ الثاني ، ثمّ الصفّ الثالث ، ثمّ على هذا الترتيب ، لأنّ ذلك أشبه بحال الاستواء من التشويش. فالتعديل أولى في الأمور.
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) كقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) (١). روي مرفوعا عن أبي سعيد الخدري : «أنّها لمّا نزلت تغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعرف في وجهه ، حتّى اشتدّ على أصحابه ، فأخبروا عليّا عليهالسلام ، فجاء فاحتضنه من خلفه ، وقبّله بين عاتقيه. ثمّ قال : يا نبيّ الله بأبي أنت وأمّي ما الّذي حدث اليوم؟ وما الّذي غيّرك؟ فتلا عليه الآية. فقال عليّ عليهالسلام : كيف يجاء بها؟ قال : يجيء بها سبعون ألف ملك ، يقودونها بسبعين ألف زمام ، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. ثمّ أتعرّض لجهنّم فتقول : مالي ومالك يا محمّد ، فقد حرّم الله لحمك عليّ ، فلا يبقى
__________________
(١) النازعات : ٣٦.