(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أي : اقرأ القرآن مفتتحا باسمه تعالى ، أو مستعينا به (الَّذِي خَلَقَ) أي : الّذي منه الخلق ، لا خالق سواه. وعلى هذا لا يقدّر للخلق مفعول. ويجوز أن يقدّر ويراد : الّذي خلق كلّ شيء ، فيتناول كلّ مخلوق ، لأنّه مطلق ، فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض.
ثمّ أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعا وتدبيرا ، وأدلّ على وجوب العبادة المقصودة من القراءة ، فقال :
(خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي : الّذي خلق الإنسان. فأبهم أوّلا ، ثمّ فسّر تفخيما لخلقه ، ودلالة على عجيب فطرته. (مِنْ عَلَقٍ) جمعه لأنّ الإنسان في معنى الجمع ، كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (١). ولمّا كان أوّل الواجبات معرفة الله تعالى نزّل أوّلا ما يدلّ على وجوده وكمال قدرته وحكمته.
(اقْرَأْ) تكرير للمبالغة. أو الأوّل مطلق ، والثاني للتبليغ ، أو في الصّلاة.
ولعلّه لمّا قيل له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ). فقال : ما أنا بقارئ.
فقيل له : اقرأ. فإنّ أكثر المفسّرين على أنّ هذه السورة أوّل ما نزل من القرآن ، في أوّل يوم نزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو قائم على حراء ، علّمه خمس آيات من أوّل هذه السورة. وقيل : أوّل سورة نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاتحة الكتاب.
(وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) الزائد الكرم على كلّ كريم ، فإنّه ينعم على عباده النعم الّتي لا تحصى ، ويحلم عنهم ، فلا يعاجلهم بالعقوبة ، مع كفرهم وجحودهم لنعمه ، وركوبهم المناهي ، واطّراحهم الأوامر. ويقبل توبتهم ، ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم. فما لكرمه غاية ولا أمد ، فكأنّه ليس وراء التكرّم بإفادة الفوائد العلميّة تكرّم حيث قال : الأكرم.
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي : علّم الخطّ بالقلم (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) من نصب الدلائل ، وإنزال الآيات ، وسائر أمور الدين والشرائع والأحكام. فدلّ على
__________________
(١) العصر : ٢.