وبما ذكرناه ظهر فساد ما في الكفاية : من أنّ ثبوت مقدّمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلاً (١) إذ على تقدير الكشف كان العقل كاشفاً عن حجيته الشرعية لا حاكماً بحجيته. وأمّا على تقدير الحكومة فلا يحكم العقل بحجية الظن أصلاً ، وإنّما يحكم بتضييق دائرة الاحتياط في مقام الامتثال في المظنونات ورفع اليد عنه في المشكوكات والموهومات.
فتحصّل : أنّ حجية الظن منحصرة بالجعل الشرعي. وأمّا مع عدم تعلّق الجعل بها ، فلا يكون الظن بنفسه حجّة ، بلا فرق في ذلك بين الثبوت والسقوط ، فكما لا حجية للظن في ثبوت التكليف وتجري معه البراءة ، كذلك لا حجية له في سقوط التكليف بعد ثبوته ، وتجري معه قاعدة الاشتغال.
هذا ، ونسب صاحب الكفاية قدسسره إلى بعض المحققين القول بكفاية الظن في سقوط التكليف ، ثمّ وجّهه بقوله : ولعلّه لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل (٢).
أقول : كيف يمكن الالتزام بكفاية الظن في سقوط التكليف مع عدم كونه حجةً من قبل المولى. وكيف يكون العبد معذوراً في ترك الامتثال بعد ثبوت التكليف على تقدير مخالفة ظنّه للواقع ، ولم يلتزم بها أحد من العلماء فيما نعلم ، بل لا نظن أن يلتزم بها عالم.
وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية من التوجيه فهو أجنبي عن المقام ، إذ الخلاف في لزوم دفع الضرر المحتمل وعدمه إنّما هو في الضرر الدنيوي لا في الضرر الاخروي ، فانّه لم يخالف أحد في لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي مع تنجز
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٧٥
(٢) كفاية الاصول : ٢٧٥