يشاء من الفعل والترك والمفروض عدم إمكان الاحتياط ، وبين جعل الأمارة حجّةً فيفعل المكلف ما دلّت الأمارة على وجوبه ، ويترك ما دلّت على حرمته ، ولو يرى المولى العالم بالحقائق أنّ تفويت الملاك الواقعي في الصورة الاولى أكثر من الصورة الثانية تعيّن عليه جعل الأمارة حجّةً وإن استلزم العمل بها فوت الملاك الواقعي أحياناً. والطريقة العقلائية أيضاً كذلك ، كما نرى أنّ سيرة العقلاء جرت على الرجوع إلى الأطبّاء مع ما يرون من الخطأ الصادر منهم الموجب للهلاك أحياناً ، وليس الرجوع إليهم إلاّلغلبة مصادفة معالجتهم للواقع.
هذا كلّه على تقدير انسداد باب العلم ، وأمّا مع الانفتاح ، فإن كان المراد من العلم هو القطع ـ ولو كان مخالفاً للواقع ـ فلا إشكال في التعبد بالأمارة في هذا الفرض أيضاً ، بل التحقيق أنّ هذا الفرض داخل في صورة الانسداد موضوعاً ، إذ المراد من الانسداد هو انسداد باب الوصول إلى الواقع ، لا انسداد باب القطع ولو كان جهلاً مركباً ، إذ الجهل المركب كالجهل البسيط لا يؤثر في حسن التعبد بالأمارة شيئاً. وأمّا إن كان المراد من العلم هو العلم المطابق للواقع ، بأن يكون المراد من الانفتاح هو انفتاح باب الوصول إلى الواقع ، فلا إشكال في التعبد بالأمارة أيضاً على القول بالسببية ، وتوضيح ذلك :
أنّ السببية تتصوّر على أقسام ثلاثة :
الأوّل : ما هو المنسوب إلى الأشاعرة من أنّه ليس في الواقع حكم مع قطع النظر عن قيام الأمارة ، بل يكون قيامها سبباً لحدوث مصلحة موجبة لجعل الحكم على طبق الأمارة ، وعلى القول بالسببية بهذا المعنى يرتفع الاشكال من أصله ، إذ عليه لا يكون في الواقع حكم حتّى يكون التعبد بالأمارة موجباً لفواته على المكلف (١).
__________________
(١) ولا يتصوّر فيه كشف خلاف كما هو واضح