هذا كلّه على القول بأنّ الحجية المجعولة للأمارات مستتبعة للحكم التكليفي ، أو أنّ المجعول حقيقةً هو الحكم التكليفي ، والحجية منتزعة منه.
أمّا ما ذكره على القول بأنّ المجعول نفس الحجية من دون أن تكون مستتبعةً للحكم التكليفي ، من أنّه لا يلزم حينئذ اجتماع حكمين أصلاً ، ففيه : أنّ محذور اجتماع الضدّين وإن كان مندفعاً على هذا المبنى ، إلاّأنّ المبنى المذكور غير صحيح ، لما أشرنا إليه سابقاً ويأتي التعرض له قريباً (١) إن شاء الله تعالى.
ومنها : ما ذكره المحقق النائيني (٢) قدسسره وملخص ما أفاده : أنّ المجعول في باب الطرق والأمارات هو مجرد الطريقية والكاشفية بالغاء احتمال الخلاف ، فلا يكون هناك حكم تكليفي حتّى يلزم اجتماع الضدّين ، بل حال الأمارة هي حال القطع ، لأنّ الشارع اعتبرها علماً في عالم التشريع ، فكما يكون العلم الوجداني منجّزاً مع المطابقة ومعذّراً مع المخالفة ، فكذلك العلم التعبدي يكون منجّزاً ومعذّراً ، فكما لا مجال لتوهم التضاد عند مخالفة القطع للواقع ، فكذلك في المقام. وبالجملة : ليس في مورد الطرق والأمارات حكم تكليفي مجعول كي يلزم اجتماع الضدّين.
وليعلم أنّ مجرد إمكان أن يكون المجعول فيها ذلك كافٍ في دفع الشبهة ، بلا حاجة إلى إثبات وقوعه ، إذ الكلام في إمكان التعبد بالظن ، مع أنّ لنا دليلاً على وقوعه أيضاً ، وهو أنّ الأمارات المعتبرة شرعاً طرق عقلائية يعملون بها في امور معاشهم ، وقد أمضاها الشارع ، وعليه يكون المجعول الشرعي في باب الأمارات ما تعلّق به واستقرّ عليه بناء العقلاء ، ومن الواضح أنّه لم يتعلق
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٩ و ٤٠ ويأتي بعد أسطر
(٢) أجود التقريرات ٣ : ١٢٨ ـ ١٤٠ ، فوائد الاصول ٣ : ١٠٥ ـ ١١٩