بحث التعبدي والتوصلي (١) وفي بحث المطلق والمقيد (٢) ، فإن كان الحكم الواقعي مطلقاً بالنسبة إلى حال الشك لزم التضاد ، وإن كان مقيداً بعدمه لزم التصويب ، من غير فرق بين أن يكون المأخوذ في موضوع الأحكام الظاهرية هو الشك بما أنّه صفة خاصّة ، أو بما أنّه موجب للتحيّر.
هذا ، والتحقيق في دفع الاشكال أن يقال : إنّ الأحكام الشرعية لا مضادة بينها في أنفسها ، إذ الحكم ليس إلاّالاعتبار ، أي اعتبار شيء في ذمّة المكلف من الفعل أو الترك ، كاعتبار الدين في ذمّة المديون عرفاً وشرعاً ، ولذا عبّر في بعض الأخبار عن وجوب قضاء الصلوات الفائتة بالدين ، كما في قوله عليهالسلام : «إنّ دين الله أحق أن يقضى» (٣) ومن الواضح عدم التنافي بين الامور الاعتبارية ، وكذا لا تنافي بين إبرازها بالألفاظ ، بأن يقول المولى : افعل كذا أو لا تفعل كذا كما هو ظاهر ، إنّما التنافي بينها في موردين : المبدأ والمنتهى. والمراد بالمبدأ ما يعبّر عنه بعلّة الحكم مسامحةً من المصلحة والمفسدة ، كما عليه الإمامية والمعتزلة ، أو الشوق والكراهة كما عليه الأشاعرة المنكرين لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، والمراد من المنتهى مقام الامتثال.
أمّا التنافي من حيث المبدأ ، فلأ نّه يلزم من اجتماع الحكمين ـ كالوجوب والحرمة مثلاً ـ اجتماع المصلحة والمفسدة في المتعلق بلا كسر وانكسار ، وهو من اجتماع الضدّين ، ولا إشكال في استحالته ، وكذا الحال في اجتماع الترخيص مع الوجوب أو الحرمة ، فانّه يلزم وجود المصلحة الملزمة وعدم وجودها في
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٣٣
(٢) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٥٣١
(٣) سنن النسائي ٥ : ١١٨ (باختلاف يسير)