يحصل له القطع ، وهو حجّة بنفسه بلا جعل جاعل ، وإمّا أن يحصل له الشك ، وهو غير قابل للحجية ، إذ ليس فيه كاشفية أصلاً ، ولا معنى لجعل الحيرة حجةً كما هو واضح ، وإمّا أن يحصل له الظن وهو متوسط بينهما ، فانّ الحجية ليست ذاتية له كالقطع ، ولا يمتنع جعله حجةً كالشك ، فان قام دليل على اعتباره يلحق بالقطع ويكون قطعاً تعبّدياً تنزيلياً ، وإلاّ فيلحق بالشك ويجري في مورده الأصل العملي ، فالتقسيم المذكور في كلام الشيخ قدسسره إنّما هو في رتبة سابقة على الحكم ، باعتبار أنّ المكلف الملتفت لا يخلو من هذه الأحوال ليتميز الموضوع في الأبحاث الثلاثة الآتية.
وبعد البحث والتحقيق يظهر : أنّ الظن يلحق بالقطع تارةً وبالشك اخرى ، فأين التداخل في الأحكام؟ ونظير المقام ما إذا قيل : الانسان إمّا مسلم وإمّا مشرك وإمّا أهل الكتاب. أمّا المسلم فلا إشكال في عدم جواز الحرب معه ، وأمّا المشرك فلا إشكال في جواز الحرب معه ، وأمّا أهل الكتاب فيلحق بالمسلم تارةً كما إذا وفوا بالمعاهدة التي بينهم وبين المسلمين من إعطاء الجزية وغيرها ، ويلحق بالمشرك اخرى كما إذا خالفوا المعاهدة ، فهل في هذا التقسيم قبل بيان الحكم تداخل؟ والمقام من هذا القبيل بعينه.
الكلام في حجّية القطع
ويقع البحث في جهات ثلاث :
الاولى : في أنّ طريقيته ـ بمعنى انكشاف المقطوع به به ـ ذاتية أو جعلية؟
الثانية : في أنّ حجّيته ـ بمعنى كونه منجّزاً في صورة المطابقة للواقع ومعذّراً في صورة المخالفة ـ هل هي من لوازم ذاته أو ثابتة ببناء العقلاء أو بحكم العقل؟