المبحث الأوّل
في حجّية الظواهر
ولا يخفى أنّ حجية الظواهر ممّا تسالم عليه العقلاء في محاوراتهم ، واستقرّ بناؤهم على العمل بها في جميع امورهم ، وحيث إنّ الشارع لم يخترع في محاوراته طريقاً خاصاً ، بل كان يتكلم بلسان قومه فهي ممضاة عنده أيضاً ، وهذا واضح ولم نعثر على مخالف فيه ، ولذا ذكرنا في فهرس مسائل علم الاصول (١) أنّ بحث حجية الظواهر ليس من مسائل علم الاصول ، لأنّها من الاصول المسلّمة بلا حاجة إلى البحث عنها. وإنّما وقع الكلام في امور ثلاثة :
الأمر الأوّل : في أنّ حجية الظواهر هل هي مشروطة بالظن بالوفاق أم بعدم الظن بالخلاف ، أم غير مشروطة بشيء منهما؟
الأمر الثاني : في أنّ حجية الظواهر مختصة بمن قصد إفهامه أو تعمّ غيره أيضاً؟
الأمر الثالث : في حجية خصوص ظواهر الكتاب.
أمّا الأمر الأوّل : فلا ينبغي الشك في أنّ الظن بالخلاف غير قادح في حجية الظواهر ، فضلاً عن عدم الظن بالوفاق ، لأنّ المرجع في حجية الظواهر هو بناء العقلاء على ما تقدّمت الاشارة إليه ، ونرى أنّ العقلاء لا يعذرون العبد المخالف لظاهر كلام المولى إذا اعتذر عن المخالفة بعدم الظن بالوفاق ، أو بحصول الظن بالخلاف ، وهذا ظاهر. نعم ، فيما إذا كان المطلوب تحصيل الواقع لا يعملون
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ١