وقد خلط بين هاتين الجهتين في كلام الشيخ قدسسره (١) فراجع.
الثالثة : في أنّه هل يمكن للشارع المنع عن العمل به أم لا؟
أمّا الجهة الاولى : فالصحيح فيها أنّ حقيقة القطع هو نفس الانكشاف وذاته ، فلا يعقل الجعل فيه أصلاً بجميع أنحائه ، لا بسيطاً وهو الجعل المتعلق بمفعول واحد ، ولا مركباً وهو الجعل المتعلق بمفعولين ، لا استقلالاً ولا تبعاً ، فانّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري والماهية هي هي بنفسها.
وبالجملة : لا يتصور الجعل في الذات والذاتيات ـ أي ما هو جزء للماهية والذات ـ فلا معنى لجعل الانسان إنساناً ، أي حيواناً ناطقاً ، ولا لجعله ناطقاً أو حيواناً. نعم ، يصح تعلّق الجعل البسيط بوجوده ، وهذا هو معنى ما اشتهر من أنّ الله (سبحانه وتعالى) ما جعل المشمشة مشمشة بل أوجدها ، فيمكن للمولى القادر إيجاد القطع الذي هو الانكشاف للعبد ، بل يمكن للمولى العرفي أيضاً إيجاد القطع بايجاد المعدّات والمقدّمات.
وأمّا الجهة الثانية : أعني حجّية القطع وكونه منجّزاً ومعذّراً ، وربّما يعبّر عنها بوجوب متابعة القطع ، فالأقوال فيها ثلاثة :
الأوّل : أنّ حجّية القطع ثابتة ببناء العقلاء إبقاءً للنوع وحفظاً للنظام ، فتكون من القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين ، وهذا البناء قد أمضاه الشارع لذلك فيجب اتباعه.
الثاني : أنّ حجّيته إنّما هي بالزام من العقل وبحكمه.
الثالث : أنّ حجّية القطع من لوازمه العقلية ، واختاره صاحب الكفاية
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٥١