لافظ يوجب انتقال المعنى إلى ذهن السامع. وبالجملة : هذه الدلالة بعد العلم بالوضع غير منفكة عن اللفظ أبداً ، ولا تحتاج إلى شيء من الأشياء.
وهذه الدلالة هي التي تسمّى عند القوم بالدلالة التصورية مرّةً باعتبار أنّ اللفظ بوجب تصور المعنى في الذهن ، وبالدلالة الوضعية اخرى باعتبار أنّ منشأها الوضع ، وهو عبارة عن جعل العلقة بين اللفظ والمعنى بحيث ينتقل المعنى إلى الذهن عند سماع اللفظ.
والمختار عندنا كون الدلالة الوضعية غيرها ، لأنّ هذه الدلالة لا تكون غرضاً من الوضع لتكون وضعية ، والأنسب تسميتها بالدلالة الانسية ، إذ منشؤها انس الذهن بالمعنى ، لكثرة استعمال اللفظ فيه لا الوضع ، لما ذكرناه في بحث الوضع من أنّ الوضع عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بأ نّه متى أراد تفهيم معنى فلان فهو يتكلم باللفظ الفلان (١). وعليه فلا يكون مجرد خطور المعنى في الذهن عند سماع اللفظ مستنداً إلى تعهده ، بل إلى انس الذهن به الحاصل من كثرة الاستعمال. وهذه الدلالة ممّا لا يرتبط بمحل كلامنا فعلاً ، ولا تترتب ثمرة على البحث عن أنّها هي الدلالة الوضعية أو غيرها.
الدلالة الثانية : دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلم بالارادة الاستعمالية ، أي دلالة اللفظ على أنّ المتكلم أراد تفهيم هذا المعنى واستعمله فيه ، وهذه الدلالة تسمّى عند القوم بالدلالة التصديقية ، وعندنا بالدلالة الوضعية ، كما عرفت. وكيف كان ، فهذه الدلالة تحتاج إلى إحراز كون المتكلم بصدد التفهيم ومريداً له ، فمع الشك فيه ليست للفظ هذه الدلالة ، فضلاً عمّا إذا علم عدم إرادته له ، كما إذا علم كونه نائماً مثلاً ، بل هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤٨