وفيه أوّلاً : أنّ الاجماع القولي غير متحقق ، فانّ كثيراً من العلماء لم يتعرّضوا لهذا البحث أصلاً ، وكذا الاجماع العملي ، لأنّ عملهم بقول اللغويين لعلّه لحصول الاطمئنان لهم من اتفاقهم على معنى من المعاني.
وثانياً : أنّه على تقدير تسليم الاتفاق ليس هنا إجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام لاحتمال أن يكون مستند المجمعين هو الوجه الأوّل أو الوجه الثالث الذي تعرفه وما فيه الآن إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث : أنّ جريان انسداد صغير في خصوص اللغات يستلزم حجّية قول اللغوي ، فانّ معاني الألفاظ مجهولة غالباً ، إمّا أصلاً وإمّا سعة وضيقاً ، ولذا ذكر شيخنا الأنصاري قدسسره في الطهارة أنّ مفهوم الماء ـ مع كونه من أوضح المفاهيم العرفية ، ويعرفه كل عارف باللغة العربية حتّى الصبيان ـ نشك فيه من حيث السعة والضيق كثيراً (١).
وفيه : أنّ انسداد باب العلم في اللغة ممّا لا يترتب عليه أثر ، إذ مع انفتاح باب العلم في الأحكام لا وجه للرجوع إلى قول اللغوي ، انسدّ باب العلم في اللغة أو انفتح ، ومع انسداد باب العلم في الأحكام وتمامية سائر المقدمات كان الظن بالحكم الشرعي حجّة ، سواء حصل من قول اللغوي أو من غيره ، وسواء كان باب العلم باللغة منفتحاً أو منسداً.
ثمّ إنّ بعض الأعاظم التزم بحجّية قول اللغوي ، وذكر جريان الانسداد في اللغة بتقريب آخر ، وهو أنّ عدم جواز الرجوع إلى البراءة عند انسداد باب العلم والعلمي في الأحكام إنّما هو لأمرين :
أحدهما : لزوم الخروج من الدين ، فانّا إذا اقتصرنا على القدر المتيقن وجوبه
__________________
(١) كتاب الطهارة ١ : ٦٧