أمّا الدعوى الاولى : فأنكرها صاحب الكفاية (١) قدسسره وتبعه في ذلك المحقق النائيني (٢) قدسسره.
أمّا صاحب الكفاية فاستدلّ عليه بما حاصله : أنّ العناوين المحسّنة والمقبّحة لابدّ وأن تكون اختيارية متعلقة لارادة المكلف ، وعنوان القطع لا يكون كذلك ، لأنّ القاطع إنّما يقصد الفعل بعنوانه الواقعي ، لا بعنوان كونه مقطوع الوجوب أو الحرمة أو الخمرية ، فبهذا العنوان لا يكون مقصوداً بل لا يكون غالباً بهذا العنوان ممّا يلتفت إليه. بل ذكر في بعض كلماته (٣) أنّه لم يصدر منه فعل بالاختيار ، كما إذا قطع بكون مائع خمراً فشربه ولم يكن في الواقع خمراً ، وذلك لأنّ شرب الخمر منتف بانتفاء موضوعه ، وشرب الماء ممّا لم يقصده ، فلم يصدر منه فعل بالارادة والاختيار ، إذ ما قصده لم يقع ، وما وقع لم يقصده ، انتهى ملخّصاً.
وأمّا المحقق النائيني قدسسره فذكر أنّ القطع طريق محض إلى متعلقه لا دخل له في الحسن والقبح ، ولم يستدل بشيء ، وادّعى أنّ هذا أمر وجداني.
أقول : أمّا ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره من البرهان ، ففيه : أنّه إن كان مراده من القصد في قوله : إنّ القاطع إنّما يقصد الفعل بعنوانه الأوّلي ، هو الداعي كما هو ظاهر كلامه قدسسره فهو وإن كان صحيحاً ، إذ الداعي لشرب الخمر هو الاسكار مثلاً ، لا عنوان كونه مقطوع الخمرية ، إلاّ أنّه لا يعتبر في الجهات المحسّنة أو المقبّحة أن تكون داعية في مقام العمل ، بل المعتبر صدور الفعل بالاختيار ، مع كون الفاعل ملتفتاً إلى جهة قبحه ، ولذا يكون
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٦٠
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٤٧ ، فوائد الاصول ٣ : ٤١
(٣) دُرر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣٧