بقي في المقام أمران لا بدّ من التعرّض لهما :
الأمر الأوّل : أنّ الخبر إن كان ضعيفاً في نفسه هل ينجبر ضعفه بعمل المشهور أم لا؟ المشهور بين المتأخرين هو ذلك. وذكر المحقق النائيني قدسسره في وجه ذلك : أنّ الخبر الضعيف المنجبر بعمل المشهور حجّة بمقتضى منطوق آية النبأ ، إذ مفاده حجّية خبر الفاسق مع التبين ، وعمل المشهور من التبين (١). ووافقناه على ذلك في الدورة السابقة ، ولكن التحقيق عدم تمامية الوجه المذكور ، إذ التبين عبارة عن الاستيضاح واستكشاف صدق الخبر ، وهو تارةً يكون بالوجدان ، كما إذا عثرنا بعد الفحص والنظر على قرينة داخلية أو خارجية موجبة للعلم أو الاطمئنان بصدق الخبر ، وهذا ممّا لا كلام في حجّيته على ما تقدّمت الاشارة إليه. واخرى : يكون بالتعبد ، كما إذا دلّ دليل معتبر على صدقه فيؤخذ به أيضاً فانّه تبين تعبدي ، وحيث إنّ فتوى المشهور لا تكون حجّة على ما تقدّم الكلام فيها (٢) ، فليس هناك تبين وجداني ولا تبين تعبدي يوجب حجّية خبر الفاسق.
وإن شئت قلت : إنّ الخبر الضعيف لا يكون حجّة في نفسه على الفرض ، وكذلك فتوى المشهور غير حجّة على الفرض أيضاً ، وانضمام غير الحجّة إلى غير الحجّة لا يوجب الحجّية ، فانّ انضمام العدم إلى العدم لا ينتج إلاّالعدم.
ودعوى أنّ عمل المشهور بخبر ضعيف توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة ، فيدخل في موضوع الحجّية ، مدفوعة بأنّ العمل مجمل لا يعلم وجهه ، فيحتمل أن يكون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ١٩٠ و ١٩١
(٢) في ص ١٦٧ ـ ١٧٠