ففيه : أنّ العلم بوجوب الرجوع إلى الروايات لا بدّ من أن يكون ناشئاً من منشأ ، إذ العلم بوجوب العمل بما يحتمل مخالفته للواقع لا يحصل جزافاً. فإمّا أن يكون المنشأ هو الجعل الشرعي بأن يجعل الشارع الروايات حجّةً والمفروض عدم ثبوته ، أو يكون المنشأ هو العلم بصدور بعضها من المعصوم ، وهذا هو الوجه الأوّل ، أو يكون المنشأ هو حكم العقل بلزوم الامتثال الظنّي مع عدم إمكان الامتثال القطعي ، وهذا يرجع إلى دليل الانسداد.
الكلام في حجّية الظن المطلق
واستدلّ عليها بوجوه أربعة كلّها عقلية :
الوجه الأوّل : أنّ الظن بالتكليف مستلزم للظن بالضرر على المخالفة ، ودفع الضرر المظنون واجب بحكم العقل.
واجيب عنه بأجوبة بعضها راجع إلى منع الصغرى ، وبعضها راجع إلى منع الكبرى.
والصحيح في الجواب منع إحدى المقدّمتين على سبيل منع الخلو ، بأن يمنع الصغرى على تقديرٍ والكبرى على تقدير آخر ، وكلتاهما على تقدير ثالث ، بيان ذلك : أنّه إن كان مراد المستدل من الضرر هو الضرر الاخروي فالكبرى وإن كانت صحيحة تامّة ، إذ العقل مستقل بدفع الضرر المظنون ، بل بدفع الضرر المحتمل ، ولذا وجب الاحتياط في الشبهة البدوية قبل الفحص ، وفي أطراف العلم الاجمالي ، بل الضرر محتمل حتّى في موارد العلم التفصيلي بالتكليف ، فانّ استحقاق العقاب على المخالفة وإن كان مقطوعاً به فيها ، إلاّأنّ العقاب فيها أيضاً محتمل لا معلوم ، لاحتمال صدور العفو منه تعالى واحتمال الشفاعة.