مقدّمة اخرى وجعلها الثالثة من المقدّمات ، والثالثة في كلام الشيخ قدسسره الرابعة وهي أنّه لا يجوز لنا إهمال التكاليف وعدم التعرض لامتثالها أصلاً.
والصحيح ما صنعه الشيخ قدسسره إذ لو كان مراد صاحب الكفاية قدسسره من المقدّمة الاولى هو العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية في حق كل مكلف ممّن يجري دليل الانسداد في حقّه كما هو ظاهر كلامه ، فهذه المقدمة هي بعينها المقدّمة الثالثة في كلامه ، إذ معنى العلم بالتكاليف الفعلية أنّه لا يجوز إهمالها وعدم التعرض لامتثالها. وإن كان مراده هو العلم بأصل الشريعة لا العلم بفعلية التكاليف في حقّنا ، فلا وجه لجعل ذلك من مقدّمات الانسداد ، وإن كان صحيحاً في نفسه لأنّ المقصود ذكر المقدّمات القريبة التي يتأ لّف منها دليل الانسداد لا المقدّمات البعيدة ، وإن كان دليل الانسداد متوقفاً عليها في نفس الأمر ، وإلاّ لزم أن يجعل من المقدّمات إثبات الصانع وإثبات النبوّة ، إلى غير ذلك من المقدّمات البعيدة التي هي مسلّمة في نفسها ومفروغ عنها.
أمّا الجهة الثانية : ففي تعيين النتيجة المترتبة على المقدّمات المذكورة على تقدير تماميتها ، من حيث إنّها الكشف أو الحكومة. وليعلم أوّلاً : أنّ المراد من الكشف أنّه يستكشف من المقدّمات المذكورة أنّ الشارع جعل الظن حجّة.
والمراد من الحكومة أنّ العقل الحاكم بالاستقلال في باب الاطاعة والامتثال يلزم المكلف بعد تمامية المقدّمات بالامتثال الظنّي وعدم التنزل إلى الامتثال الشكّي والوهمي ، بمعنى أنّ العقل يراه معذوراً غير مستحق للعقاب على مخالفة الواقع مع الأخذ بالظن ، ويراه مستحقاً للعقاب على مخالفة الواقع على تقدير عدم الأخذ بالظن والاقتصار بالامتثال الشكّي والوهمي ، فيحكم العقل بتبعيض الاحتياط في فرض عدم التمكن من الاحتياط التام ، وهذا هو معنى الحكومة ،