الأوّل قد انحلّ بالعلم الثاني ، والثاني بالثالث على ما تقدّم بيانه (١). وهذا الاحتياط لايوجب اختلال النظام ولا العسر والحرج ، فانّ جماعةً من أصحابنا الأخباريين قد عملوا بجميع هذه الأخبار ، ولم يرد عليهم الحرج ولا اختلّ عليهم النظام.
وعلى تقدير تسليم عدم انحلال العلم الاجمالي الأوّل بدعوى العلم بأنّ التكليف أزيد من موارد الأخبار ، لا بدّ من التبعيض في الاحتياط على نحو لا يكون مخلاً بالنظام ولا موجباً للعسر والحرج ، فلو فرض ارتفاع المحذور بالغاء الموهومات ، وجب الاحتياط في المشكوكات والمظنونات ، وإذا لم يرتفع المحذور بذلك يرفع اليد عن الاحتياط في جملة من المشكوكات ، ويحتاط في الباقي منها وفي المظنونات ، وهكذا إلى حد يرتفع محذور الاختلال والحرج.
ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمان والحالات الطارئة على المكلف والموارد ، ففي الموارد المهمّة التي علم اهتمام الشارع بها ـ كالدماء والأعراض والأموال الخطيرة ـ لا بدّ من الاحتياط حتّى في الموهومات منها ، وترك الاحتياط في غيرها بما يرفع معه محذور الاختلال والحرج على ما تقدّم بيانه (٢).
فتحصّل : أنّ مقدّمات الانسداد على تقدير تماميتها عقيمة عن إثبات حجّية الظن ، لا بنحو الحكومة لما عرفت من عدم معقولية حجّية الظن بحكم العقل (٣) ، ولا بنحو الكشف لتوقفه على قيام دليل على بطلان التبعيض في الاحتياط ولم يقم ، فتكون النتيجة التبعيض في الاحتياط لا حجّية الظن ، وعليه فيسقط كثير من المباحث التي تعرّضوا لها في المقام :
__________________
(١) في ص ٢٦٢
(٢) في الجهة الثالثة فراجع ص ٢٥٨ ـ ٢٦٠
(٣) راجع ص ٢٥٦