الذي يسهّل الأمر أنّ الحديث مرسل لا يصحّ الاعتماد عليه ، بل لم يوجد في كتب الأخبار أصلاً. نعم ، في حديث السفرة المطروحة في الفلاة وفيها اللحم أمر الإمام عليهالسلام بأن يقوّم اللحم ويؤكل ، فقال الراوي إنّه لا يدري أمالكه مسلم أو كافر ، ولعلّ اللحم من غير مذكى ، قال عليهالسلام : «هم في سعةٍ حتّى يعلموا» (١) ومورد هذه الرواية خصوص اللحم ، وحكمه عليهالسلام بالاباحة إنّما هو من جهة كونه في أرض المسلمين فهي أمارة على التذكية ، وإلاّ كان مقتضى أصالة عدم التذكية حرمة أكله. وبالجملة : مورد هذه الرواية هي الشبهة الموضوعية القائمة فيها الأمارة على الحلية ، فهي أجنبية عن المقام.
ومن جملة الروايات التي استدلّ بها للمقام قوله عليهالسلام : «كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (٢) وهذه الرواية وإن كانت مختصّة بالشبهة التحريمية ، إلاّ أنّه لابأس بالاستدلال بها من هذه الجهة ، فانّ عمدة الخلاف بين الاصوليين والأخباريين إنّما هي في الشبهة التحريمية. وأمّا الشبهة الوجوبية فوافق الأخباريون الاصوليين في عدم وجوب الاحتياط فيها ، إلاّالقليل منهم كالمحدِّث الاسترابادي (٣) ، فانّه المتفرد من بين الأخباريين بوجوب الاحتياط فيها أيضاً ، بل اختصاص هذه الرواية بالشبهة التحريمية موجب لرجحانها على سائر روايات البراءة ، باعتبار أنّها أخص من أخبار الاحتياط ، فلا ينبغي الشك في تقدّمها عليها. ولذا ذكر شيخنا الأنصاري قدسسره (٤) أنّها أظهر روايات الباب.
ولكن صاحب الكفاية قدسسره والمحقق النائيني قدسسره لم يرتضيا
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٩٣ / أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١١
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٧٣ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٦٧ (في الطبعة القديمة ح ٦٠)
(٣) الفوائد المدنية : ١٣٨
(٤) فرائد الاصول ١ : ٣٦٩