انطباقه على المورد فثبوت الحكم له يقيني ، فلا مورد للاستصحاب أصلاً ، فإذا شككنا في كون مائع معيّن خمراً ، فالمائع المذكور لم تجعل الحرمة له بشخصه ولا الاباحة ، وثبوت الحرمة لطبيعي الخمر كثبوت الاباحة لطبيعي الماء يقيني ، فكيف يصحّ التمسك باستصحاب عدم الجعل.
قلت أوّلاً : إنّ الأحكام المجعولة بنحو القضايا الحقيقية تنحل إلى أحكام متعددة بحسب تعدّد أفراد موضوعاتها ، كما هو مبنى جريان البراءة في الشبهات الموضوعية ، إذ بدونه لا يكون هناك حكم مجهول ليرفع بالبراءة. وعليه فيكون الشك في خمرية مائع مستلزماً للشك في جعل الحرمة له ، فيرجع إلى استصحاب عدم الجعل كما في الشبهة الحكمية.
وثانياً : أنّه لو سلّم عدم جريان استصحاب عدم الجعل في الشبهة الموضوعية لا مانع من الرجوع إلى الاستصحاب الموضوعي إمّا محمولياً كما في كثير من الموارد ، وإمّا أزلياً كما في بعضها. وقد ذكرنا في محلّه (١) جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية.
وأمّا تقريب الاستدلال بالاستصحاب باعتبار المرتبة الثانية للحكم وهي المرتبة الفعلية ، فهو استصحاب عدم التكليف الفعلي المتيقن قبل البلوغ ، وقد اورد على هذا التقريب بوجوه :
الوجه الأوّل : أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولاً شرعياً ، ويكون وضعه ورفعه بيد الشارع ، وعدم التكليف أزلي غير قابل للجعل ، وليس له أثر شرعي ، فانّ عدم العقاب من لوازمه العقلية ، فلا يجري فيه الاستصحاب. ونسب صاحب الكفاية قدسسره (٢) في التنبيه
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٣٦٠
(٢) كفاية الاصول : ٤١٧