الوجه الثاني : أنّ هذه الأخبار باطلاقها تعمّ الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية الوجوبية ، مع أنّ الاحتياط فيها غير واجب قطعاً ، فلا بدّ حينئذ من رفع اليد عن ظهورها في الوجوب أو الالتزام فيها بالتخصيص ، وحيث إنّ لسانها آبٍ عن التخصيص كما ترى ، فتعيّن حملها على الاستحباب أو على مطلق الرجحان الجامع بينه وبين الوجوب ، فلا يستفاد منها وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية بعد الفحص ، وهي محل الكلام.
ثمّ إنّه لو سلّم دلالة أخبار التوقف أو الاحتياط على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية ، فهي لا تعارض أدلّة البراءة ، وذلك لأنّ استصحاب عدم جعل الحرمة ـ بناءً على جريانه ، وهو الصحيح على ما تقدّم بيانه (١) ـ يكون رافعاً لموضوع هذه الأخبار ، إذ به يحرز عدم التكليف وعدم العقاب ، فيتقدّم عليها لا محالة. وكذا أخبار البراءة بعد تماميّتها تتقدّم على هذه الأخبار ، لكونها أخص منها ، فانّ أخبار البراءة لا تعم الشبهة قبل الفحص ، ولا المقرونة بالعلم الاجمالي إمّا في نفسها ، أو من جهة الاجماع وحكم العقل ، بل بعضها مختص بالشبهات التحريمية ، كقوله عليهالسلام : «كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (٢) بخلاف أخبار التوقف والاحتياط فانّها شاملة لجميع الشبهات ، فيخصص بها.
وقد يتوهّم الاطلاق في أدلة البراءة ، وأ نّها شاملة في نفسها لجميع الشبهات ، غاية الأمر أنّها مخصصة بحكم العقل أو بالاجماع ، فلا وجه لتقدّمها على أدلة التوقف والاحتياط.
__________________
(١) في ص ٣٣٣ ـ ٣٣٥
(٢) تقدّم في ص ٣٢٣