ولكنّه مدفوع بأنّ المانع عن شمول أدلة البراءة لتلك الموارد إن كان حكم العقل باستحالة شمولها لها ، فحاله حال المخصص المتصل في منعه عن انعقاد الظهور في العموم أو الاطلاق من أوّل الأمر ، وإن كان هو الاجماع ، فحاله حال المخصص المنفصل. والمختار فيه القول بانقلاب النسبة على ما سيجيء تفصيل الكلام فيه في محلّه (١) إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ هنا وجهاً آخر لتقديم أخبار البراءة على خصوص أخبار الاحتياط : وهو أنّ أخبار البراءة كقوله عليهالسلام : «كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» نص في عدم وجوب الاحتياط ، وأخبار الاحتياط على تقدير تمامية دلالتها ظاهرة في وجوبه. والجمع العرفي يقتضي رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بسبب النص ، وحمله على الرجحان الجامع بين الوجوب والندب.
وهذا الوجه لا يجري بالنسبة إلى أخبار التوقف ، لأنّ العلّة المذكورة فيها وهي الوقوع في الهلكة تجعلها نصّاً في عدم جواز الاقتحام ، إلاّ أنّه قد ذكرنا قصورها عن الدلالة على الحكم المولوي في نفسها.
ثمّ إنّه ربّما يتوهّم أنّ أخبار التوقف والاحتياط ـ على تقدير تمامية دلالتها ـ تتقدّم على أخبار البراءة ، لأنّ المرفوع بحديث الرفع ونحوه هو ما لا يعلم من الأحكام ، ووجوب الاحتياط بناءً على استفادته من الأخبار معلوم ، فهو خارج عن أدلة البراءة موضوعاً.
وهو مدفوع بأ نّه إنّما يتمّ ذلك لو كان وجوب الاحتياط نفسياً. وأمّا لو كان وجوبه طريقياً كما هو المفروض ، فالمترتب عليه هو لزوم امتثال الحكم الواقعي المجهول ، وحديث الرفع يرفعه فتقع المعارضة بين الدليلين لا محالة ، وقد عرفت تقدّم حديث الرفع وأمثاله على أدلة التوقف والاحتياط.
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص ٤٦٤ وما بعدها