القطعية ، كما لو علم إجمالاً بحرمة أحد الضدّين اللذين لهما ثالث في وقت واحد ، فانّه يمكن الموافقة القطعية بتركهما معاً ، ولا يمكن المخالفة القطعية لاستحالة الجمع بين الضدّين. وكذا الحال في جميع موارد الشبهات غير المحصورة في الشبهات التحريمية ، فانّه يمكن فيها الموافقة القطعية بترك جميع الأطراف ، ولا يمكن فيها المخالفة القطعية لعدم إمكان ارتكاب جميع الأطراف.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا أثر للعلم الاجمالي في القسم الثاني ، فتجري الاصول النافية في أطرافه على ما تقدّم بيانه في المقام الأوّل. وأمّا غيره من الأقسام الثلاثة فالاصول في أطراف العلم الاجمالي في مواردها متعارضة متساقطة على ما سيجيء الكلام فيه قريباً (١) إن شاء الله تعالى. ويترتب على ذلك تنجيز العلم الاجمالي من حيث حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية أو من إحدى الجهتين دون الاخرى. وبعبارة اخرى : إذا تساقطت الاصول في أطراف العلم الاجمالي ، فالحكم المعلوم بالاجمال يتنجز بالمقدار الممكن ، فإن أمكن المخالفة القطعية والموافقة القطعية فالتنجيز ثابت من الجهتين ، وإلاّ فمن إحداهما ، وحيث إنّ المخالفة القطعية فيما هو محل الكلام فعلاً ممكنة ، كان العلم الاجمالي منجّزاً بالنسبة إليها ، فحرمت عليها المخالفة القطعية بأن تأتي بالصلاة بدون قصد القربة. وحيث إنّ الموافقة القطعية غير ممكنة ، فلا محالة يحكم العقل بالتخيير بين الاتيان بالصلاة برجاء المطلوبية وبين تركها رأساً.
ثمّ إنّ الشيخ قدسسره (٢) قد تعرّض في المقام لدوران الأمر بين المحذورين في العبادات الضمنية ، كما إذا دار الأمر بين شرطية شيء لواجب ومانعيته عنه ، فاختار التخيير هنا أيضاً على حذو ما تقدّم ، فيتخير المكلف
__________________
(١) في ص ٤٠٤ وما بعدها ، راجع أيضاً ص ٤٢١
(٢) راجع فرائد الاصول ٢ : ٥٠٢ و ٥٠٣