ممّا لم يقم على اعتباره دليل بالخصوص ، يرجع إلى البراءة. وعليه فلو أتى المكلف ببعض المحتملات برجاء إصابة الواقع ، فقد قصد القربة بفعله ، فإذا صادف الواقع كان صحيحاً ومسقطاً للأمر.
وظهر ممّا ذكرناه أنّه لو دار أمر الواجبين المترتبين كالظهر والعصر بين أفعال متعددة ، لم يعتبر في صحّة الثاني الفراغ اليقيني من الأوّل ، بل يكفي الاتيان ببعض محتملاته ، فإذا دار أمر القبلة بين الجهات الأربع ، جاز للمكلف أن يصلّي الظهر والعصر إلى جهة ، ثمّ يصلّيهما إلى جهة ثانية ، وهكذا. نعم ، لو صلّى الظهر إلى جهة لا يجوز له أن يصلّي العصر إلى جهة اخرى قبل أن يصلّي الظهر إليها ، والوجه فيه ظاهر ، فان صلاة العصر حينئذ تكون باطلة يقيناً إمّا لأجل الاخلال بالاستقبال أو الترتيب.
التنبيه الرابع
قد عرفت الاشارة (١) إلى أنّه لو كان الأصل النافي للتكليف جارياً في بعض الأطراف دون بعض آخر ، فلا مانع من جريانه ، فلا يكون العلم الاجمالي منجّزاً حينئذ ، كما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء أو مضطراً إليه ، فانّ الأصل لا يجري فيه ، إذ يعتبر في جريان الأصل ترتب الأثر العملي عليه ، ولا يترتب أثر على جريانه في الخارج عن محل الابتلاء أو المضطر إليه.
وكذلك الحال لو كان الأصل الجاري فى بعض الأطراف مثبتاً للتكليف ، فانّه يجري الأصل النافي في الطرف الآخر بلا معارض ، كما إذا علمنا بوقوع
__________________
(١) في ص ٤١٦ وفي التنبيهين الأوّلين