وهو لا يوجب ارتفاع الحرمة عن الحرام الواقعي كما تقدّم. وظهر فساد ما في الكفاية من أنّ الترخيص في بعض الأطراف لا يجامع العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ، فلا يبقى إلاّاحتمال التكليف في غير ما يختاره المكلف لرفع اضطراره وهو منفي بالأصل ، وذلك لأنّ الترخيص في بعض الأطراف لو كان ترخيصاً واقعياً كما في الاضطرار إلى المعيّن ، لكان الأمر كما ذكره قدسسره وليس المقام كذلك ، إذ المفروض عدم تعلّق الاضطرار بالحرام الواقعي بل بالجامع ، غاية الأمر أنّه يحتمل انطباقه على ما يختاره المكلف لرفع اضطراره لجهله به ، وهو لا يوجب إلاّالترخيص الظاهري ، فالحكم الواقعي ثابت على كل تقدير ، ومعه لا يمكن الرجوع إلى البراءة في الطرف الآخر ، فانّه يوجب المخالفة القطعية للتكليف الواصل.
ثمّ إنّ المحقق النائيني قدسسره (١) التزم في المقام بأ نّه لو صادف ما يختاره المكلف لرفع اضطراره مع الحرام الواقعي ترتفع الحرمة واقعاً ، بدعوى أنّ الاضطرار وإن كان متعلقاً بالجامع إلاّ أنّه باختياره الحرام الواقعي لرفع اضطراره من باب الاتفاق يصير الحرام مصداقاً للمضطر إليه ، فترتفع حرمته واقعاً ، ومع ذلك التزم بعدم جريان البراءة في الطرف الآخر ، بدعوى أنّ ارتفاع الحرمة إنّما يكون بعد اختياره الحرام لرفع اضطراره ، وأمّا قبله فالحكم المعلوم بالاجمال فعلي ومنجّز. وقد مرّ (٢) عند البحث عن الاضطرار إلى المعيّن أنّ الرافع للتكليف إن كان متأخراً عن التكليف وعن العلم الاجمالي به إنّما يقتصر في رفع التكليف بمورد تحقق الرافع ، وأمّا غيره من الأطراف فالحكم فيه باقٍ على تنجّزه. وعليه يكون المقام نظير الاضطرار إلى المعيّن بعد العلم الاجمالي بالتكليف وسقوط
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٦٢ ـ ٤٦٥ ، فوائد الاصول ٤ : ١٠٤ ـ ١٠٨
(٢) في ص ٤٤٥