الوجه الثاني : أنّه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي آخر بوجود نجس بين الملاقي والطرف الآخر ، وهذا العلم الاجمالي ممّا لا مجال لانكاره بعد فرض الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه واقعاً ، ومن ثمّ لو فرض انعدام الملاقى ـ بالفتح ـ كان العلم بالنجاسة المرددة بين الملاقي والطرف الآخر موجوداً ، فهذا العلم الاجمالي الحادث بعد العلم بالملاقاة يقتضي الاجتناب عن الملاقي والطرف الآخر تحصيلاً للموافقة القطعية. نعم ، لو فرضت الملاقاة بعد انعدام الطرف الآخر ، لم يكن العلم الثاني مؤثراً في التنجيز ، لعدم كونه علماً بالتكليف الفعلي على كل تقدير الموجب لتساقط الاصول في الأطراف.
وأجاب شيخنا الأنصاري قدسسره (١) عن هذا الوجه من الاستدلال : بأنّ العلم الثاني لا يمنع من جريان الأصل في الملاقي ، لأنّ جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ إنّما هو في طول جريان الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لكون الشك في الملاقي ناشئاً من الشك في الملاقى ، فيكون الأصل الجاري في الملاقى أصلاً جارياً في الشك السببي ، والأصل الجاري في الملاقي أصلاً جارياً في الشك المسببي. ومن الظاهر أنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ، فعلى تقدير جريان الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لا تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ وبعد سقوط الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لأجل المعارضة بينه وبين الأصل في الطرف الآخر ، تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ فيجري فيه بلا معارض.
ويتوجّه الاشكال على هذا الجواب بالشبهة الحيدرية ، وتقريرها : أنّه كما أنّ جريان أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ في طول جريان أصالة الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ كذلك جريان أصالة الحل في الطرفين في طول جريان أصالة
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٢٤